فصل: تفسير الآيات (145- 150):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (145- 150):

{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)}
ثمّ بيّن المحرمات فقال: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} أي شيئاً محرّماً {على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} آكل يأكله. وقرأ علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: يطعمه مثقلة بالطاء أراد يتطعّمه فأدغم، وقرأت عائشة على طاعم طعمه {إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً} مهراقاً سائلاً. قال عمران بن جرير: سألت أبا مجلز عمّا يتلطخ من اللحم بالدم وعن القدر تعلوها حمرة الدم. قال: لا بأس به إنّما نهى الله سبحانه عن الدم المسفوح.
وقال إبراهيم: لا بأس الدم في عروق أو مخ إلاّ المسفوح الذي تعمّد ذلك، قال عكرمة: لولا هذه الآية لأتّبع المسلمون من العروق ما تتبّع اليهود {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} خبيث {أَوْ فِسْقاً} معصية {أُهِلَّ} ذبُح {لِغَيْرِ الله بِهِ فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
{وَعَلَى الذين هَادُواْ} يعني اليهود {حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ}، وهو مالم يكن مشقوق الأصابع من البهائم والطير. مثل الإبل والنعّام والأوزة والبط.
قال ابن زيد: هو الإبل فقط. وقال القتيبي: هو كلّ ذي مخلب من الطيور وكل ذي حافر من الدواب، وقد حكاه عن بعض المفسّرين، وقيل: سمّي الحافر ظفراً على الاستعارة وأنشد قول طرفة:
فما رقد الولدان حتّى رأيته ** على البكر يمريه بساق وحافر

فجعل الحافر موضع القدم.
وقرأ الحسن كل ذي ظفر مكسورة الظاء مسكنة الفاء. وقرأ أبو سماك ظِفِر بكسر الظاء والفاء وهي لغة.
{وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ} يعني الشروب وشحم الكليتين {إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} أي ما علق بالظهر والجانب إلاّ منْ داخل بطونها {أَوِ الحوايآ} يعني الماعز {أَوْ مَا اختلط بِعَظْمٍ} مثل لحم الإلية {ذلك} التحريم {جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ} بظلمهم عقوبة لهم بقتلهم الأنبياء وصدهم عن سبيل الله وأخذهم الربا واستحلالهم أموال الناس بالباطل {وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} في أخبارنا عن هؤلاء اليهود وعمّا حرّمنا عليهم من اللحوم والشحوم.
{سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ} لمّا الزمنا بينهم الحجّة وتبيّنوا وتيقنوا باطل ما كانوا عليه {لَوْ شَآءَ الله مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا} ما حرّمنا من التغاير والسوايب وغير ذلك لأنَّه قادر على أن يحمل بيننا وبين ذلك حتّى لا نفعله ولكنّه رضي منا ما نحن عليه من عبادة الأصنام وتحريم الحرث والأنعام وأراد منّا وأمرنا به فلم يحل بيننا وبين ذلك فقال الله تعالى تكذيباً لهم وردّاً عليهم {كذلك كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِم} ولو كان كذلك خيراً من الله تعالى عن مَنْ كذّبهم في قولهم {لَوْ شَآءَ الله مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا} لقال كذلك {كذّب الذين من قبلهم} بتخفيف الذال وكان نسبهم إلى الكذب لا إلى التكذيب.
وقال الحسن بن الفضل: لمّا خبّروا بهذه المقالة تعظيماً وإجلالا لله سبحانه وتعالى وصفة منهم به لمّا عابهم ذلك، لأن الله قال: {وَلَوْ شَآءَ الله مَآ أَشْرَكُواْ} وقال سبحانه: {مَّا كَانُواْ ليؤمنوا إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله} وقال: {فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} والمؤمنون يقولون هذا ولكنّهم قالوا ذلك تكذيباً وتخرصاً وبدلاً من غير معرفة بالله تعالى وبما يقولون نظيره قوله: {وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف: 20]، قال الله تعالى {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الزخرف: 20] بقولهم هذا من غير علم بيّنهم بآية {وَالْمُؤْمِنُونَ} وبقوله و{عِلْمٍ} منهم بالله عزّ وجلّ ثمّ قال: {هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ} من حظ وحجّة على ما يقولون من غير علم ويقين {وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} تكذّبون {قُلْ فَلِلَّهِ الحجة البالغة} التامة الكافية على خلقه {فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ الذين يَشْهَدُونَ أَنَّ الله حَرَّمَ هذا} أي احضروهم وأتوا بهم فقالوا: نحن نشهد، فقال الله تعالى: {فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ} إلى قوله: {يَعْدِلُونَ} يشركون.

.تفسير الآيات (151- 155):

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)}
ثمّ قال قل يامحمد {تَعَالَوْاْ أَتْلُ} أقرأ {مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} حقّاً يقينا كما أوحى إليّ ربّي وأمرني به لاظنّاً ولا تكذيباً كما يزعمون {أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} اختلفوا في محل أن فقال بعضهم: محلّه نصب، ثمّ اختلفوا في وجه انتصابه فقيل معناه: حرّم أن تشركوا ولا صلة كقولهم: {ما منعك ألا تسجد}.
وقيل: إنّك ألاّ تشركوا، وقيل: أوحى ألا تشركوا، وقيل: ما بدل من ما حرّم، وقيل: الكلام عند قوله: {حَرَّمَ رَبُّكُمْ} ثمّ قال: عليكم أن لا تشركوا على الكفر، وقال بعضهم: موضع من معناه: وهو أن لا تشركوا جهراً بكفركم، وأما بعده فيجوز أن يكون في محل النصب عطفاً على قوله: {أن لا تشركوا} وأن [.......] لأنّه يجوز أن يكون جزم على الأقوى كقوله: {أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ}.
{وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} عطف بالنهي على الخبر قال الشاعر:
حج وأوصي بسليمى إلا عبدا ** أن لاترى ولا تكلم أحداً

ولا يزال شرابها مبردا... {وبالوالدين إِحْسَاناً وَلاَ تقتلوا أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} ولاتئدوا بناتكم خشية العيش فإني أرزقكم وإياهم والإملاق الفقر ونفاد الزاد.
{وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يعني علانية {وَمَا بَطَنَ} يعني السرّ قال المفسّرون: كانوا في الجاهلية يستقبحون الزنا في العلانية ولا يرون به بأساً في السرّ فحرّم الله تعالى الزنا في العلانيّة والسر وقال الضحاك: ما ظهر الخمر وما بطن {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله} نهى وهي نفس مؤمن أو معاهد {إِلاَّ بالحق} يعني بما أباح قبلها وهي الارتداد والقصاص والرجم.
وروى مطر الوراق عن نافع بن عمر عن عثمان رضي الله عنه أشرف على أصحابه وقال: علام يقتلونني فإنّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل دم امرئ مُسلم إلاّ بإحدى ثلاث: رجل زنا بعد إحصانه فعليه الرجم، أو قتل عامداً فعليه القود، أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل، فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا قتلت أحداً فاقيد نفسي، ولا ارتدت منذ أسلمت، إنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله».
{ذلكم} النبيّ الذي ذكرت {وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ} يعني بما فيه صلاحه وتثميره، وقال مجاهد: هو التجارة فيه، وقال الضحاك: أموال يبتغي له فيه ولا يأخذ من ربحه شيئاً.
وقال ابن زيد: وأن يأكل بالمعروف إن افتقر، وإن استغنى لم يأكل، وقال الشعبي: مَنْ خالط مال اليتيم حتّى يفصل عليه فليخالطه، ومَنْ خالطه ليأكل منه وليدعه حتّى يبلغ أشده.
وقال يحيى بن يعمر: بلوغ الحلم، وقال الشعبي: الأشد الحلم حيث يكتب له الحسنات وعليه السيئات، وقال أبو العاليّة: حتّى يعقل ويجتمع قوّته.
وقال الكلبي: الأشد مابين ثماني عشرة إلى ثلاثين سنة. وقال السدّي: هو ثلاثون سنة ثمّ جاء بعدها حتّى بلغوا النكاح.
والأشد جمع شدّ، مثل قدّ وأقدّ، وهو استحكام قوماً لفتى وشبابه وسنه، ومنه شد النهار وهو ارتفاعه، يقال: أتيته شدّ النهار ومد النهار وقال الفضل بن محمد في شد بيت عنترة:
عهدي به شدّ النهار كأنّما ** خضب اللبان ورأسه بالعظلم

وقال آخر:
تطيف به شد النهار ضعينة ** طويلة أنقاء اليدين سحوق

وليس بلوغ الأشد ممّايدع قرب ماله بغير الأحسن وقد تمّ الكلام.
{وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ} على الأبد {حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} فادفعوا إليه ماله إن كان رشيداً {وَأَوْفُواْ الكيل والميزان بالقسط} بالعدل {لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} أي طاقتها في إيفاء الكيل والوزن، وقال أهل المعاني: معناه: إلاّ يسعها ويحلّ لها ولا يخرج عليه ولا يضيق عنه وذلك أنّ لله تعالى من عباده أنّ كثيراً منهم ضيق نفسه عن أن يطيّب لغيره بما لا يجب عليها له فأمر المعطي بإيفاء الحق ربّه الذي هو له ويكلّفه الزيادة لما في الزيادة عليه من ضيق نفسه بها، وأمر صاحب الحق بأخذ حقّه ولم يكلفه الرضا بأقل منه لمّا فيه في النقصان عليه من ضيق نفسه، فلم يكلّف نفساً منهما إلاّ ما لا حرج فيه ولا يضيق عليه.
قال ابن عباس: إنكم معشر الأعاجم فقد وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم المكيال والميزان {وَإِذَا قُلْتُمْ فاعدلوا} أي فاصدقوا في الحكم والشهادة {وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} محذوف الاسم يعني ولو كان المحكوم والمشهود عليه ذا قربة {وَبِعَهْدِ الله أَوْفُواْ ذلكم وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} يتّعظون.
قال ابن عباس: هذا الآيات محكمات لم ينسخهنّ شيء في جميع الكتب وهنَّ محرّمات على بني آدم كلّهم وهنّ أُمّ الكتاب مَنْ عمل بهن دخل الجنّة ومَنْ تركهن دخل النار.
قال كعب الأحبار: والذي نفس كعب بيده إنَّ هذا لأوّل شيء في التوراة {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ * قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} الآيات.
وقال الربيع بن خيثم لأصحابه: ألا أقرأ عليكم صحيفة عليها خاتم محمد صلى الله عليه وسلم لم يُفك فقرأ هذه الآية {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ} {وَأَنَّ هذا} يعني وصّاكم به في هاتين الآيتين {صِرَاطِي} طريقي وديني {مُسْتَقِيماً} مستوياً قويماً {فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل} يعني الطرق المختلفة التي عداها مثل اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر البدع والضلالات {فَتَفَرَّقَ} فيمتدّ وتخالف وتشتت {بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} عن طريقه ودين النبيّ الذي ارتضى وبها وصّى {ذلكم} الذي ذكرت {وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب} يعني ثمّ قل يا محمد لهم آتينا موسى الكتاب، لأنّ موسى أوتي الكتاب قبل محمد عليهما الصلاة والسلام.
وقيل: ثمّ بمعنى الواو لأنّهما حرفا عطف قال الشاعر:
قل لمن ساد ثمّ ساد أبوه ** ثمّ قد ساد قبل ذلك جدّه

{تَمَاماً} نصب على القطع، وقيل: على التفسير {عَلَى الذي أَحْسَنَ} قال بعضهم: معناه تماماً على المحسنين. ويكون {الذي} بمعنى من وتقديره على الذين أحسنوا، لفظه واحد ومعناه جمع كما تقول: أُوصي بمالي للذي غزا وحجَّ يريد الغازين والحاجين.
وقال الشاعر:
شبّوا عليَّ المجد وشابوا واكتهل

يريد: واكتهلوا.
يدلّ عليه قراءة عبد الله بن مسعود {على الذين أحسنوا}.
وقال أبو عبيد: معناه على كل مَنْ أحسن، ومعنى هذا القول أتممنا طلب موسى بهذا الكتاب، على المحسنين يعني أظهرنا فضله عليهم، والمحسنون هم الأنبياء والمؤمنون. وقيل: معناه: ثمّ آتينا موسى الكتاب متماً للمحسنين يعني تتميماً منّا للأنبياء والمؤمنين الكتب {عَلَى} بمعنى اللام كما تقول أتم الله عليه فأتم له. قال الشاعر:
رعته أشهراً وخلا عليها ** فطار التي فيها واستعاراً

أراد: وخلا لها.
وقيل: الذي بمعنى ما، يعني آتينا موسى الكتاب تماماً على ما أحسن موسى من العلم والحكمة أي زيادة على ذلك.
وقال عبد الله بن بريدة: معناه تماماً مِنّي على مَنّي وإحساني إلى موسى، وقال ابن زيد: معناه تماماً على إحسان الله إلى أنبيائه وأياديه عندهم، وقال الحسن: فمنهم المحسن ومنهم المسيء فنزل الكتاب تماماً على المحسنين، وقرأ يحيى بن يعمر: على الذي أحسن، بالرفع أي على {الذي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً} بياناً {لِّكُلِّ شَيْءٍ} يحتاج إليه من شرائع الدين {وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} هذا يعني وهذا القرآن {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فاتبعوه} واعملوا بما فيه {واتقوا} وأطيعوا {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فلا تعذبون.

.تفسير الآيات (156- 165):

{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)}
{أَن تقولوا} يعني لئلاّ تقولوا كقوله: {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} [النساء: 176] وقوله: {قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل أَن تَقُولُواْ} [المائدة: 19] يعني أي لا تقولوا يعني لئلاّ تقولوا.
وقيل: معناه أنزلناه كراهة أن يقول، وقال الكسائي: معناه: اتقوا أن تقولوا: يا أهل مكّة، وقرأ ابن محيصن والأعمش كلاهما والقراءة بالياء بقوله تعالى فقد جاءكم {إِنَّمَآ أُنزِلَ الكتاب على طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا} يعني اليهود والنصارى {وَإِن كُنَّا} وقد كنّا {عَن دِرَاسَتِهِمْ} قرأتهم {لَغَافِلِينَ} لا نعلم ما هي وإنَّما قال: دراستهم، ولم يقل: دراستهما، لأن كل طائفة جماعة، كقوله تعالى: {هذان خَصْمَانِ اختصموا} [الحج: 19] وأن ما يقال من المؤمنين اقتتلوا. {أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا الكتاب لَكُنَّآ أهدى مِنْهُمْ} يعني أصوب من اليهود والنصارى ديناً {فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} حجّة واضحة لمن يعرفونها {وَهُدًى} وبيان {وَرَحْمَةٌ} ونعمة لمن اتبعه وعمل به {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ الله وَصَدَفَ} وأعرض عنها {سَنَجْزِي الذين يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سواء العذاب} شدة العذاب {بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ} يعرضون {هَلْ يَنظُرُونَ} وينتظرون {إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الملائكة} لقبض أرواحهم {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} بلا كيف لفصل القضاء من خلقه في موقف القيامة، وقال الضحاك: يأتي أمره وقضاؤه {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} يعني طلوع الشمس من مغربها {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا} وقرأ ابن عمر وابن الزبير: يوم تأتي بعض آيات ربّك بالتاء، قال المبرّد: على التأنيث على المجاورة لا على الأصل، كقولهم: ذهبت بعض أصابعه. قال جرير:
لمّا أتى خبر الزبير تواضعت ** سور المدينة والجبال الخشع

فأتت فعل السور، وهو مذكّر لاتصاله بمؤنّث.
روى عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتّى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورأها الناس آمنوا أجمعين وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها {لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ}» الآية.
وروى مقاتل بن حيّان عن عكرمة عن ابن عباس: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا غربت الشمس رفع بها إلى السماء السابعة في سرعة طيران الملائكة وتحبس تحت العرش فتستأذن من أين تؤمر بالطلوع إلى مغربها أو من مطلعها فكسى ضوؤها، وإن كان القمر منوّر على مقادير ساعات الليل والنهار ثمّ ينطلق بها ما بين السماء السابعة العليا وبين أسفل درجات الجنان في سرعة طيران الملائكة فتنحدر جبال المشرق من سماء إلى سماء، فإذا ما وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الصبح ويضيء النهار فلا يظل الشمس والقمر، كذلك حتّى يأتي الوقت الذي وقت الله التوبة لعباد وتكثر المعاصي في الأرض، ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد ويفشو المنكر فلا ينهى عنه أحد، فإذا فعلوا ذلك حبست الشمس مقدار ليلة تحت العرش كلما سجدت وأستأذنت من أن تطلع لم يجئ لها جواب حتّى يراقبها القمر فيجيء معها ويستأذن من أن تطلع فلا يجاب لهما بجواب حتّى تحبسا مقدار ثلاث ليالي للشمس وليلتين للقمر، فلا يعرف طول تلك الليالي إلاّ المتهجّدون في الأرض، وهم يومئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين في هوان من الناس وذلّة من أنفسهم، فينام أحدهم تلك الليلة قدر ما كان ينام قبلها من الليالي، ثمّ يقوم ويتوضّأ ويدخل مصلاّه فيصلّي ورده، فلا يصبح نحو ما كان يصبح كلّ ليلة فينكر ذلك فيخرج فينظر إلى السماء فإذا هو بالليل فكأنه والنجوم قد استدارت مع السماء فصارت إلى أماكنها من أول الليل، فينكر ذلك ويظن فيها الظنون فيقول: قد خففت قراءتي وقصرت صلواتي أم قمت قبل حيني.
قال: ثمّ يقوم فيعود إلى مصلاّه فيصلّي نحو صلاته الليلة الثانية ثمّ ينظر فلا يرى الصبح فيخرج أيضاً فإذا بالليل مكانه فيزيده ذلك إنكاراً ويخالطه الخوف ويظن في ذلك الظنون من السوء، ثمّ يقول فلعلّي قصّرت صلواتي ثمّ خفّفت قراءتي أم قمت في أوّل الليل ثمّ يعود وهو وجل مشتت خائف لما توقّع من هول تلك الليلة فيقوم فيصلّي أيضاً مثل ورده كلّ ليلة قبل ذلك، ثمّ ينظر فلا يرى الصبح فيخرج الثالثة فينظر إلى السماء فإذا بالنجوم قد استدارت مع السماء فصارت في أماكنها عند أوّل الليل فيشفقه عند ذلك شفقة المؤمن العارف لما كان يحذر فيستحييه الخفّة ويستخفّه الندامة، ثمّ ينادي بعضهم بعضاً وهم كانوا قبل ذلك يتعارفون ويتواصلون فيجتمع المتهجدون من كل بلدة في تلك الليلة في مسجد من مساجدهم ويجأرون إلى الله تعالى بالبكاء ويصلّوا بقيّة تلك الليلة.
فإذا ما تمّ لهما مقدار ثلاث ليال أرسل الله إليهما جبرائيل فيقول: إنّ الرب تبارك وتعالى يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منه وإنّه لا ضوء لكما عندنا ولا نور فيبكيان عند ذلك وَجَلا من الله عزّ وجلّ وخوف يوم القيامة بكاءً يسمعه أهل سبع سماوات ومن دونها وأهل سرادقات العرش وحملته ومن فوقهما، فيبكون جميعاً لبكائهما من خوف الموت والقيامة، فيرجع الشمس والقمر فيطلعان من مغربهما فبينما المتهجّدون يبكون ويتضرّعون إلى الله عزّ وجلّ، والغافلون في غفلاتهم إذ نادى مناد: ألا إن الشمس والقمر قد طلعا من المغرب فينظر الناس فإذا هم بهما أسودان لا ضوء للشمس ولا نور للقمر مثلهما في كسوفهما قبل ذلك. فذلك قوله: {وَجُمِعَ الشمس والقمر} [القيامة: 9] وقوله: {إِذَا الشمس كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] فيرتفعان كذلك مثل البعيرين القرنين يُنازع كلّ واحد منهما صاحبه اشتياقاً، ويتصايح أهل الدنيا وتدخل الأُمّهات على أولادها والأحبّة عن غمرات قلوبها، فتشتغل كلُّ نفس بما ألّمها، فأمّا الصالحون والأبرار فإنّه ينفعهم بكاؤهم يومئذ فيكتب لهم ذلك عبادة، وأمّا الفاسقون والفُجّار فلا ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب ذلك حسرة عليهم فإذا ما بلغ الشمس والقمر سرّت السماء وهي منصفها جاءهما جبرائيل عليه السلام فأخذ بقرونهما فردّهما إلى المغرب فلا يغربهما من مغاربهما ولكن يغربهما من باب التوبة»
.
فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله وما باب التوبة؟
فقال صلى الله عليه وسلم: «يا عمر خلق الله تعالى باباً للتوبة خلف المغرب له مصراعان من ذهب مكلّلان بالدرّ والجوهر ما بين المصراع إلى المصراع الآخر أربعون سنة للراكب المسرع فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه إلى صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس والقمر من مغاربهما ولم يتب عبد من عباد الله توبة نصوحاً منذ خلق الله آدم إلى ذلك اليوم إلاّ ولجت تلك التوبة في ذلك الباب. لم يرفع إلى الله تعالى».
فقال له معاذ بن جبل: بأبي أنت وأُمي يا رسول الله وما التوبة النصوح؟ قال: «أن يندم المذنب على الذنب الذي أصاب فيعتذر إلى الله عزّ وجلّ ثمّ لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع».
قال: فيغربهما جبريل في ذلك الباب ثمّ يرد المصراعين ثمّ يلتئم ما بينهما فيصير كأنّه لم يكن بينهما صدع قط، فإذا أغلق باب التوبة لم يقبل من العبد بعد ذلك توبة ولم ينفعه حسنة يعملها في الإسلام، إلاّ مَنْ كان قبل ذلك مُحسناً فإنّه يجري عليه ما كان يجري عليه قبل ذلك اليوم فذلك قوله عزّ وجلّ {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إِيمَانِهَا خَيْراً}.
فقال أُبي بن كعب: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله فكيف بالشمس والقمر يومئذ بعد ذلك وكيف بالناس والدنيا. فقال: «يا أُبي إنّ الشمس والقمر يكسيان بعد ذلك الضوء والنور، ثمّ يطلعان على الناس ويغربان، كما كانا قبل ذلك يطلعان ويغربان، فإنّ الناس رأوا ما رأوا في فظاعة تلك الآية يلحون على الدنيا حتّى يجروا فيها الأنهار ويغرسوا فيها الأشجار ويبنوا البنيان. وأمّا الدنيا فلو نتج لرجل مُهْراً لم يركبه حتّى تقوم الساعة من لدن طلوع الشمس من مغربها إلى أن يُنفخ في الصور».